فصل: ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.نقض أهل الإسكندرية وفتحها.

لما سار هرقل إلى القسطنطينية وفارق الشام واستولى المسلمون على الإسكندرية وبقي الروم بها تحت أيديهم فكاتبوا هرقل فاستنجدوه فبعث إليهم عسكرا مع منوبل الخصي ونزلوا بساحل الإسكندرية لمنعهم المقوقس من الدخول إليه فساروا إلى مصر ولقيهم عمرو بن العاص والمسلمون فهزموهم واتبعوهم إلى الإسكندرية وأثخنوا فيهم بالقتل وقتل قائدهم منويل الخصي وكانوا قد أخذوا في مسيرهم إلى مصر أموال أهل القرى فردها عمرو عليهم بالبينة ثم هدم سور الإسكندرية ورجع إلى مصر.

.ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان.

وفي سنة خمس وعشرين عزل عثمان سعدا عن الكوفة لأنه اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضا وتقاضاه ابن مسعود فلم يوسر سعد فتلاحيا وتناجيا بالقبيح وافترقا يتلاومان وتداخلت بينهما العصبية وبلغ الخبر عثمان فعزل سعدا واستدعى الوليد بن عقبة من الجزيرة وكان على غربها منذ ولاه عمر فولاه عثمان على الكوفة فكان مكان سعد.
ثم عزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الأحمسي فأغار على أهل موقان والبرزند والطيلسان ففتح وغنم وسبى وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح حذيفة ثمانمائة درهم وقبض المال ثم بث سراياه وبعث سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أهل أرمينية في اثني عشر ألفا فسار فيها وأثخن ثم انصرف إلى الوليد وعاد الوليد إلى الكوفة وجعل طريقه على الموصل فلقيه كتاب عثمان بأن الروم أجلبوا على معاوية بالشام فابعث إليهم رجلا من أهل النجدة والبأس في عشرة آلاف عند قراءة المكتوب فبعث الوليد الناس مع سلمان بن ربيعة ثمانية آلاف ومضوا إلى الشام ودخلوا أرض الروم مع حبيب بن مسلمة فشنوا عليهم بالغارات واستفتحوا الحصون وقيل إن الذي أمد حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة هو سعيد بن العاص وذلك أن عثمان كتب إلى معاوية أن يغزي حبيب بن مسلمة في أهل الشام أرمينية فبعثه وحاصر قاليقلا حتى نزلوا على الجلاء أو الجزية فجلى كثير إلى بلاد الروم وأقام فيها فيمن معه أشهرا ثم بلغه أن بطريق أرميناقس وهي بلاد ملطية وسيواس وقونية إلى خليج قسطنطينية قد زحف إليه في ثمانين ألفا فاستنجد معاوية فكتب إلى عثمان فأمر سعيد بن العاص بإمداد حبيب فأمده بسلمان في ستة آلاف وبيت الروم فهزمهم وعاد إلى قاليقلا ثم سار في البلاد فجاء بطريق خلاط وبيده أمان عياض بن غنم وحمل ما عليهم من المال فنزل حبيب خلاط ثم سار منها فصالحه صاحب السيرجان ثم صاحب اردستان ثم صالح أهل دبيل بعد الحصار ثم أهل بلاد السيرجان كلهم ثم أتى أهل شمشاط فحاربوه فهزمهم وغلب على حصونهم ثم صالحه بطريق خرزان على بلاده وسار إلى تفليس فصالحوه وفتح عدة حصون ومدن تجاورها وسار ابن ربيعة الباهلي إلى أران فصالح أهل البيلقان على الجزية والخراج ثم أهل بردعة كذلك وقراها وقاتل أكراد البوشنجان وظفر بهم وصالح بعضهم على الجزية وفتح مدينة شمكور وهي التي سميت بعد ذلك المتوكلية وسار سلمان حتى فتح فلية وصالحه صاحب كسكر على الجزية وملك شروان وسائر ملوك الجبال إلى مدينة الباب وانصرفوا ثم غزا معاوية الروم وبلغ عمورية ووجد ما بين انطاكية وطرسوس من الحصون خاليا فجمع فيها العساكر حتى رجع وخربها.

.ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية.

وفي سنة ست وعشرين عزل عثمان عمرو بن العاص عن خراج مصر واستعمل مكانه عبد الله بن أبي سرح أخاه من الرضاعة فكتب إلى عثمان يشكو عمرا فاستقدمه واستقل عبد الله بالخراج والحرب وأمره بغزو افريقية وقد كان عمرو بن العاص سنة إحدى وعشرين سار من مصر إلى برقة فصالح أهلها على الجزية ثم سار إلى طرابلس فحاصرها شهرا وكانت مكشوفة السور من جانب البحر وسفن الروم في مرساها فحسر القوم في بعض الأيام وانكشف أمرها لبعض المسلمين المحاصرين فاقتحموا البلد بين البحر والبيوت فلم يكن للروم ملجأ إلا سفنهم وارتفع الصياح فأقبل عمرو بعساكره فدخل البلد ولم تفلت الروم إلا بما خف في المراكب ورجع إلى مدينة صبرة وكانوا قد آمنوا بمنعة طرابلس فصبحهم المسلمون ودخلوها عنوة وكمل الفتح ورجع عمرو إلى برقة فصالحه أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار جزية وكان أكثر أهل برقة لواتة وكان يقال إن البربر ساروا بعد قتل ملكهم جالوت إلى المغرب وانتهوا إلى لوبية ومراقية كورتان من كور مصر فصارت زناتة ومغيلة من البربر إلى المغرب فسكنوا الجبال وسكنت لواتة برقة وتعرف قديما انطابلس وانتشروا إلى السوس ونزلت هوراة مدينة لبدة ونزلت نفوسة مدينة صبرة وجلوا من كان هنالك من الروم وأقام الأفارق وهم خدم الروم وبقيتهم على صلح يؤدونه إلى من غلب عليهم إلى أن كان صلح عمرو بن العاص.
ثم إن عبد الله بن أبي سرح كان أمره عثمان بغزو افريقية سنة خمس وعشرين وقال له: إن فتح الله عليك فلك خمس الخمس من الغنائم وأمر عقبة بن نافع بن عبد القيس على جند وعبد الله بن نافع بن الحرث على آخر وسرحهما فخرجوا إلى افريقية في عشرة آلاف وصالحهم أهلها على مال يؤدونه ولم يقدروا على التوغل فيها لكثرة أهلها ثم إن عبد الله بن أبي سرح استأذن عثمان في ذلك واستمده فاستشار عثمان الصحابة فأشاروا به فجهز العساكر من المدينة وفيهم جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين وابن الزبير وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين ولقيهم عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين ببرقة ثم ساروا إلى طرابلس فنهبوا الروم عندها ثم ساروا إلى افريقية وبثوا السرايا في كل ناحية وكان ملكهم جرجير يملك ما بين طرابلس وطنجة تحت ولاية هرقل ويحمل إليه الخراج فلما بلغه الخبر جمع مائة وعشرين ألفا من العساكر ولقيهم على يوم وليلة من سبيطلة دار ملكهم وأقاموا يقتتلون ودعوه إلى الإسلام أو الجزية فاستكبر ولحقهم عبد الرحمن بن الزبير مددا بعثه عثمان لما أبطأت أخبارهم وسمع جرجير بوصول المدد ففت في عضده وشهد ابن الزبير معهم القتال وقد غاب ابن أبي سرح وسأل عنه فقيل إنه سمع منادي جرجير يقول من قتل ابن أبي سرح فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي فخاف وتأخر عن شهود القتال فقال له ابن الزبير: تنادي أنت بأن من قتل جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده فخاف جرجير أشد منه.
ثم قال عبد الله بن الزبير لابن أبي سرح أن يترك جماعة من أبطال المسلمين المشاهير متأهبين للحرب ويقاتلون الروم بباقي العسكر إلى أن يضجروا فيركب عليهم بالآخرين على غرة لعل الله ينصرنا عليهم ووافق على ذلك أعيان الصحابة ففعلوا ذلك وركبوا من الغد إلى الزوال وألحوا عليهم حتى أتعبوهم ثم افترقوا وأركب عبد الله الفريق الذين كانوا مستريحين فكبروا وحملوا حملة رجل واحد حتى غشوا الروم في خيامهم فانهزموا وقتل كثير منهم وقتل ابن الزبير جرجير وأخذت ابنته سبية فنفلها ابن الزبير وحاصر ابن أبي سرح سبيطلة ففتحها وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف دينار وسهم الرجل ألف وبث جيوشه في البلاد إلى قفصة فسبوا وغنموا وبعث عسكرا إلى حصن الأجم وقد اجتمع به أهل البلاد فحاصره وفتحه على الأمان ثم صالحه أهل افريقية على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار وأرسل ابن الزبير بالفتح والخمس فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار وبعض الناس يقول أعطاه إياه ولا يصح وإنما أعطى ابن أبي سرح خمس الخمس من الغزوة الأولى ثم رجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر بعد مقامه سنة وثلاثة أشهر ولما بلغ هرقل أن أهل افريقية صالحوه بذلك المال الذي أعطوه غضب عليهم وبعث بطريقا يأخذ منهم مثل ذلك فنزل قرطاجنة وأخبرهم بما جاء له فأبوا وقالوا: قد كان ينبغي أن يساعدنا مما نزل بنا فقاتلهم البطريق وهزمهم وطرد الملك الذي ولوه بعد جرجير فلحق بالشام وقد اجتمع الناس على معاوية بعد علي رضي الله عنه فاستجاشه على افريقية فبعث معه معاوية بن حديج السكوني في عسكر فلما وصل الاسكندرية وهلك الرومي ومضى ابن حديج في العساكر فنزل قونية وسرح إليه البطريق ثلاثين ألف مقاتل وقاتلهم معاوية فهزمهم معاوية وحاصر حصن جلولاء فامتنع معه حتى سقط ذات سوره فملكه المسلمون وغنموا ما فيه ثم بث السرايا ودوخ البلاد فأطاعوا وعاد إلى مصر ولما أصاب ابن أبي سرح من افريقية ما أصاب ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا إلى الاسكندرية في ستمائة مركب وركب المسلمون البحر مع ابن أبي سرح ومعه معاوية في أهل الشام فلما تراءى الجمعان أرسوا جميعا وباتوا على أمان والمسلمون يقرؤن ويصلون ثم قرنوا سفنهم عند الصباح واقتتلوا ونزل الصبر واستحر القتل ثم انهزم قسطنطين جريحا في فل قليل من الروم وأقاموا ابن أبي سرح بالموضع أياما ثم قفل وسمى المكان ذات الصواري والغزوة كذلك لكثرة ما كان بها من الصواري وكانت هذه الغزواة سنة إحدى وثلاثين وقيل أربع وثلاثين وسار قسطنطين إلى صقلية وعرفهم خبر الهزيمة فنكروه وقتلوه في الحمام.